أدب الرحلة أدب جذاب دون شك فيه تاريخ وفيه مشاهد، وفيه ، وصف، وفيه تشويق، وفيه طرائف ومع هذا وذاك فيه خصوصيات نستشفها من أسلوب كاتب الرحلة الذي يأخذنا معه في سفر معين، إن كان في إطار سياسي أو علمي أو ثقافي أو تجاري أو سياحي ..... إلخ، فنصاحبه في رحلته، وكأننا أمام شريط مصور دقيق لمراحل تنقلاته وحركاته وسكناته ، وكذا نشاطاته وعلاقاته ومختلف مشاهداته، فندرك من خلال ذلك كيف يفكر وكيف يخطط، وكيف ينفذ، ثم كيف يسجل ما يسترعي اهتمامه مما يستحق في نظره أن يتم الاحتفاظ به وأن يدون ليطلع عليه الغير.
و محمد داود كان يكتب ويسجل، ويحقق ويدقق، ويكفي أن نقف على مذكراته الجيبية اليومية، لنتأكد أنه لم يغفل أبدا عن تدوين كل جزئيات حياته، وتحركاته واتصالاته وأنشطته، وما هذه الرحلة التي بين أيدينا إلا دليل على صدق ما تقول، فهي رحلة قصيرة له لم تدم أكثر من شهر واحد شتنبر (1961) ، ولكنها رحلة في إطار متميز ، وذلك ضمن وفد علمي بعثه جلالة ملك المغرب الحسن الثاني إلى الاتحاد السوفياتي في إطار تبادل زيارات المجاملة بين المغرب وذلك القطر الصديق.
وها هو الدكتور إسماعيل شارية، الباحث المهتم بأدب الرحلات والكاتب المتمكن من دراستها وتحليل حيثياتها وظروفها واستنتاج خصوصياتها ومميزاتها، يقدم لنا صورة واضحة لهذه الرحلة الطريفة، فيطلعنا من خلال مختلف المذكرات والوثائق والمستندات الخاصة بالأستاذ محمد داود على معلومات في غاية الأهمية، محللا الظروف الحدث والسياق التاريخي له، ومسجلا لكل جزئياته بكل صدق وأمانة ليساهم بذلك في سلسلة أبحاثه التي يهدف من ورائها إلى إغناء الساحة الثقافية المغربية الزاخرة بهذا الجنس الأدبي الطريف.