في هذا الكتاب الذي تناول فيه المؤلف هموم العرب وأمراضهم، سواء في ظل الثورات العربية، أم ما قبلها بقرون بعيدة، وعلى حد وصفه، قد يرى القارئ أن موضوعات كتابه قد تبدو مستقلة بعضها عن بعض، لكن الرابط بينها هو الوطن والعقل والثقافة والحرية، مشيرا إلى أن كل موضوع من موضوعات كتابه هذا يصلح لأن يكون كتابا مستقلا.
هنا أيضا يقول المؤلف إن العرب لم يستوعبوا دروس مآسيهم، حينما وقعوا فريسة للاستعمار الأوروبي بعد أن بقوا لأكثر من أربعة قرون فريسة للاستعمار العثماني، بل زاد الأمر سوءا حينما أهملوا التعليم والحكم الرشيد. في «بين الثقافة والسياسة « الذي يصفه مؤلفه بأنه لا يتناول قضية واحدة، بل قضايا متعددة تشكل كل واحدة منها فكرة مستقلة تعبر عن رؤيته في التعليم والثقافة والفن والتاريخ والسير الذاتية، يكتب قائلا، إن التعليم في كل المجتمعات الإنسانية هو وسيلة للتوجيه وبث القيم الأساسية وتنمية الشعور بالانتماء الاجتماعي والقومي، لأن القيم هي جوهر المعرفة. هنا يؤكد الكاتب أن الإسلام ثقافة وحضارة، فهو نسق اقتصادي يُعظّم من قيمة العمل ودقة الإدارة، من خلال قوانين محددة للسلوك اليومي، وهي أمور لا توجد في غيره من الشرائع بهذا القدر من الوضوح، ذاكرا أن الدول الأوروبية وهي تستعيد نهضتها الحديثة والمعاصرة، لم تُلقِ وراء ظهرها بكل تراثها، بل أجادت اختيار الصالح منه لكي يمثل الطاقة الهائلة التي استمدت منها أوروبا كل نهضتها، بينما احتفظت بما يمكن تسميته «التراث العبء» لكي يكون مجالا للدراسة والتحقيق في دائرة المتخصصين فقط، ولا يشك الكاتب في أن جانبا من تراثنا قد تجاوزه الزمن، ولم تعد له سوى أهمية تاريخية وبحثية فقط. من القضايا المهمة التي يتناولها المؤلف هنا، قضية الحوار التي يرى أنها السبيل الوحيد لتماسك مجتمعاتنا، ودعم أوطاننا، وهي ثقافة يقع العبء فيها على مؤسساتنا التعليمية والثقافية والاجتماعية، خاصة بعد أن تأزمت الأمور في بعض أوطاننا، حينما انحرفت جماعات نسبت نفسها إلى الإسلام، بينما هي تخالف أبسط قواعده، وقد استحلت قتل الناس وترويع الآمنين.