أما عن العلم فهو طبيعي وكلامي يستند الأول منه على أسس صارمة الدقة تحققها التجارب العملية يتطلع الأنسان من خلالها إلى إدراك كل ما يدور حوله في الكون دون التقيد بمحاذير معينة وأما الكلامي منه فيتعلق بقضايا نظرية وفلسفية يحتمل مجمل الحديث فيها الشك واليقين. وأما عن الفن فهو نشوة الروح وتهذيب النفس وعشق لا ينتهي لكل ما هو جميل في المنظر و الجوهر. وأما عن اللغة فهي مصطلحات تبناها قوم للتفاهم فيما بينهم وتسجيل ما يدركونه بالتجربة وللتعريف بهويتهم وارادوا ما استطاعوا صياغة قواعد لها. وإذن فلغة قوم هي هويتهم وهي الوعاء المحتوي لثقافتهم وحضارتهم. وأما عن التاريخ فهو صنفان أولهما روايات تتلي وتتوارث برز فيها ما هو ذاتي موظف لمقتضيات الزمان والمكان ومن ثم تتواري فيه الموضوعية بمرور الأيام. وثانيهما علمي يخضع لمنهجه الذي يتبني الشك والدليل وسيلة للوصول إلى ما حدث بالفعل بغية الوصول إلى فهم دقيق لأحداث الماضي والحاضر واستكشاف آفاق المستقبل. واما عن الصور فهي وثائق تعطي بعدا آخر للأشخاص والأحداث من شأنه إثراء الخيال الإنساني. الكتاب الذي امامنا يتعلق ببعض قضايا العلم والفن واللغة والتاريخ كما تراءت للمؤلف في أزمنة متفاوتة. ومع أن سنين قد مرت على أحداثها لكنه يراها اليوم رأي العين وكأن الزمان قد توقف عندها أو كأنه مر ببطء بجرعات متشابهة لكنها ليست متطابقة. وحين نتأمل إسقاطاتها على ما يحدث اليوم نصل إلي نتيجة مفزعة تقول الفكر المستند إلى السلطة هو الذي تفشي بين البشر. و أن التصرف الإنساني محكوم على مر التاريخ "بحتمية الإصرار على فعل الخطأ". ومع أن البشر يولدون في المجمل بإمكانات متشابهة إلا أنهم يتعلمون بطرق مختلفة أفكارا متناقضة تدفعهم إلى هذا الإصرار الرهيب. وإذن فالقضية كلها تنصب على العلم المكتسب والمعارف المكتسبة. ولعل يوما قد يأتي يتفق فيه الناس في كل مكان على تعليم النشء مبادئ واحدة-ربما بطرق مختلفة-تكرس المثل العليا وتؤكد إنسانية الإنسان