عنوان كتاب الباحث والمترجم منير العكش دولة فلسطينية للهنود الحمر يختزل كل الحكاية. فهو ليس مجرد مفارقة متهكمة أو سوداوية هنا، أو مقاربة مجازية أو شعرية لمأساتي الهنود الحمر والفلسطينيين، وإنما الإطار العام لما سيكشفه العكش في الكتاب عن قواسم مشتركة عميقة بين سياستي الولايات المتحدة وإسرائيل إزاء الشعبين المقهورَين على التوالي، إضافة إلى التشابه المذهل في صناعة الظروف التي أدت إلى جعل أحلام الفلسطينيين والهنود الحمر في إقامة دولة، على مقاس متطابق تقريباً. ما يجعل من أية قطعة شعرية مثلاً أو قراءة روائية للمسألة، شأناً مشروعاً جداً. بهذا، لن تعود قصيدة محمود درويش «خطبة الهندي الأحمر» مجرد محاولة لإحالة قصة الهنود الحمر في الولايات المتحدة إلى مجاز فلسطيني، وإنما واقعاً تاريخياً مريراً حتى وإن عُلِفَ هذا الواقع بالصور الشعرية والغناء. الأمر أيضاً يُذكِّر بما قاله بول أوستر في إحدى مقابلاته الصحافية، بما معناه، إنه ما دامت حكومة واشنطن بهذا الانحياز الفاضح لإسرائيل فلماذا لا تمنح الإسرائيليين واحدة من ولاياتها الأمريكية، كوطن بدلاً من فلسطين، ويكون ذلك هو الحل.
المأساة الفلسطينية، يمكن اعتبارها تجديداً للمأساة الهندية، الأمر الذي يجعل للكتاب قيمة بحثية، ودلالية في آليات السياسة والتحولات الكبرى في التاريخ وهجرات الشعوب. ظل المفاوضون الأمريكيون يناورون الهنود الحمر، بوهم الدولة. حتى وجد هؤلاء أنفسهم، في معاهدة دفاع عسكرية جنباً إلى جنب مع الغزاة. أخذ الأمريكيون يتمددون في مستوطنة تلو الأخرى، ثم يبنون الحصون والقلاع التي سيستعملونها ضد قبائل أخرى من الهنود، قبل الإنقضاض على حلفائهم في نهاية الأمر. المعاهدة كانت مزورة، وبعد أن جهد الزعيم الهندي وايت آيز في إتمام المعاهدة وتوقيعها باسم شعب الدولاوير، بل والمناداة بالدخول في دين الرجل الأبيض، تم تسميمه بعد مضي أسبوعين على التوقيع، بأوامر من جورج واشنطن شخصياً. فقد أدى وايت مهمته بوضع الهنود تحت سلطة الغزاة الجدد. لم يستخدم الأمريكيون البولونيوم آنذاك، أو أية ميلليجرامات من أي عنصر مشع آخر، وإنما جراثيم الجدري. واحد من أول الاغتيالات السياسية في التاريخ الحديث باستخدام سلاح بيولوجي.