يقول المحقق:
[رسالتان في أصول النحو، لأحمد بابا التنبكتي، بتحقيقي مع ذيل من تأليفي]
الرسالة الأولى: (إمتاع الأسماع بما قيل في إجراء ألفاظ رواة الحديث مجرى السماع).
وفيها يعرض أحمد بابا الخلاف الحاصل حول الاستشهاد بالحديث النبوي، فيذكر أقوال معظم النحاة الذين تكلموا في هذه المسألة ويناقشها. وترجع أهمية الرسالة إلى:
1-أنه سلك مسلك المانعين في وقت ساد فيه مذهب المجوزين الاحتجاجَ إلا ما كان من السيوطي.
2-أنه أورد كل ما احتج به المجوزون وناقشه، لا سيما كلام ابن خالدون والبلقيني والدماميني، وكلام ابن خلدون والدماميني من أدق الكلام في هذه المسألة للمجوزين.
3-اعتنى بنقل كلام بعض شراح الحديث في هذه المسألة وكلام أحد الأصوليين وناقشه.
4-نقل مذهب ابن هشام في هذه المسألة من كتابه الذي لم يصلنا، وهو (شرحه على التسهيل)، ومذهبه فيه مخالف لظاهر مذهبه في (مغني اللبيب).
الرسالة الثانية: (وسيلتي وشافعي في ثبوت الاستدلال بألفاظ الإمام الشافعي).
وهي رسالة نفيسة نادرة، وذلك للآتي:
1-ليست هي على نمط ما سلكه الأزهري والبيهقي وغيرهما من أن الشافعي عربي، وأن ما أُخِذ عليه من ألفاظ له وجه وشواهد تؤيدها، بل تكلم في إيرادات واردة على أصل كونه عربيا يُحتَج بكلامه، فقد أورد أحمد بابا أن هناك من لم يحتج بكلام الشافعي، لأنه ولد 150 وقد ذكر النحاة أن أول المحدَثين الذين لا يُحتج بهم هو بشار بن برد المتوفى سنة 167هـ فأحرى بأن لا يُحتج بالشافعي. وكذلك الشافعي حضري، وقد نصوا على عدم الأخذ من القبائل الحضرية، وممن قال بهذا ورد كلام الشافعي من أجله أبو حيان، وكذلك الشافعي ذكر أنه طلب اللغة عشرين عامًا ليستعين بها على الفقه، وشرط العربي المحتج بكلامه أن يكون كلامه سليقةً لا تعلُّمًا، كل هذه الإيرادات أوردها أحمد بابا على أصل الاحتجاج بكلام الشافعي.
ولهذا نص أحمد بابا أنه كتب هذه الرسالة من غير أن يقف فيها على كلام لأحد.
2-نقل أحمد بابا في أثناء مناقشة هذه الإيرادات عن كتاب مفقود في أصول النحو وضوابط الاحتجاج لابن أبي الربيع وذكر اسمه، وهو (نهاية المستفيد)، ونقل منه ضوابط هذه المسألة وهي في غاية النفاسة والندور.
3-تعرض أحمد بابا فيها إلى أمر في غاية الأهمية وهو العصر الذي توقَّف عنده الاحتجاج بلغة أهله، ونص على ذلك الزمن صراحة ونقل الإجماع عليه. .
4-نقل أحمد بابا كلام ابن الربيع في احتجاج الزمخشري بشعر أبي تمام ورده القراءات، وهو نقل نفيس وإن كنت قد ناقشتُ ابن أبي الربيع فيه في هامش الرسالة في موضعه.
وهذه الرسالة عن الشافعي أنفس من الرسالة الأولى من جهة النفاسة وجدة الموضوع بخلاف الرسالة الأولى فقد طُرق موضوعها في الجملة، بالإضافة إلى أن رسالة الشافعي قبل الرسالة الأولى في المجموع الذي يضمهما، لكني آثرت أن تكون الرسالة الأولى هي الأولى في العمل؛ لشرف المتكلَّم عن ألفاظه صلى الله عليه وسلم.
الرسالة الثالثة: (الحصيلة في بيان ما أغفله التنبكتي في الوسيلة).
وهي للفقير، وجعلتُها ذيلًا على الرسالة الثانية لأحمد بابا؛ فقد ذكر أحمد بابا الخلاف حول الاحتجاج بكلام الشافعي، ولم يذكر أسماء أحد من الفريقين، فقمتُ في هذه الرسالة بذكر أسماء من يقول بعدم الاحتجاج مع أقوالهم وكذلك أسماء من يقول بالاحتجاج مع أقوالهم.
وفي المطلب الثاني أوردتُ أربعة إيرادات على القول بحجية كلام الشافعي غير التي ذكرها أحمد بابا، رأيت بعضها في كلام المنتسبين إلى العربية وبعضها من عندي، وناقشتها، وهي:
1-أن الشافعي تعلم لغة يونان حتى أتقنها كما رواه عنه البيهقي والآبري والرازي، وقد ترك النحاة الاحتجاج بكلام من خالط العجم، فكيف بمن تعلم لغتهم حتى أتقنها؟!
2-أن النحاة تركوا الاستشهاد بكلامه، ولم يعتنوا بنقله كما هو الحال مع أقوال العرب وأشعارها وسائر الكلام العربي الفصيح.
3-أن ثمة نحاة وفقهاء ولغويين لحَّنوا الشافعي صراحة وأخذوا عليه كلمات.
4-أن كثيرًا ممن يقولون بحجية كلام الشافعي هم متأخرو الشافعية.
والمطلب الثالث جعلته لدرء التعارض الذي قد يُتوهَّم من قولنا بحجية كلام الشافعي مع قول النحاة إنه قد توقف الاحتجاج عند منتصف القرن الثاني وأنه لا يؤخذ عن أهل الحضر، وتعرضت في أثناء ذلك إلى مناقشة ما يُسمَّى بـ(الفوائت الظنية) التي يقول بها بعض المعاصرين.
وفي النهاية ذكرتُ ما يترتب على القول بحجية ألفاظ الشافعي من جهة العربية والأصول والتفسير. ثم تأتي الكشافات وبذلك ينتهي العمل.
.