السلفية. ذلك الشعار الجذّاب لكثيرين والمخيف لكثيرين، وذلك الاتجاه الواسع المؤثّر في حياتنا تأثيرًا مباشرًا وحيويًّا. وكثيرةٌ هي الكتُب والكِتابات التي تناولت السلفية من وجهات نظر مختلفة، سواء بالهجوم أم بالدفاع، وسواء في تجلياتها الدينية أم الفكرية أم السياسية أم الاجتماعية. وعلى الرغم من هذه الحقيقة المادية: إلا أنّ السلفية لا زالت زاخرة بالكثير الذي يمكن أن يخضع للبحث والتحليل. فعلى الرغم من كَوْن السلفية ظاهرةً متكرِّرةً ومستمرة وذات تأثير حيوي في واقعنا المعيش؛ فإنه من الغريب حقًّا أنها لم تحظَ بكثير من الدراسات التأريخية التحليلية الجادة. والكلام هاهنا عن الظاهرة السلفية الحديثة والمعاصرة خصوصًا، فلربما خضعت الظواهر الفكرية الإسلامية الأقدم، ومن ضمنها السلفية التاريخية؛ لمساحات أوسع من الضوء في دراسات جادة تتبع مدارس مختلفة شرقًا وغربًا، بغضِّ النظر عن مدى موضوعيتها أو دقة مخرجاتها. فالسلفية المعاصرة ألقت بظلالها على الاتجاه الإسلامي بصورة تدريجية ومباغتة في آنٍ، وصبغت كل شيء بصبغتها ولو كان ضدها، فجعلت البحث حولها ومعها وضدها يأخذ صورةً محمومة ومتسارعة، فلم يلتفت كثيرًا للتحليل المتأنِّي، والتفكيك الذي يسبر عوامل تشكُّلِها التاريخي، إلا شذرات قليلة من الكتابات، بعضها شابته الأدلجة، أو فقر الأدوات وعدم التخصص.
ولأجل هذا السبب ترجمنا هذا الكتاب الذي بين يديك. كتاب (صناعة السلفية)، الذي يرصد عملية تشكُّل السلفية في نسختها المعاصرة منذ عشرينيات القرن العشرين تقريبًا وصولًا إلى تسعينياته، مركزًا اهتمامه على الحقبة الأولى، وملامح السلفية فيها، وتطورها حتى آلت إلى السلفية التي نعرفها الآن.