كأنه وقتُ التكشُّف والتعري؛ إذ عوضًا عن الراحة بعد عناء اليوم وصخبه، صار لوقت الأصيل في طهران صخبٌ عبثيٌّ يُفاقم عناءَ العيش فيها، ويكشف عن أزمة المجتمع الحديث في برزخٍ من التردي والحيرة، بين روايتين "مُعتبرتين" عن ماهية الفردوس والجحيم. هذا الصخبُ الذي يُثيره قطاع عَرَضي مُنتخبٌ من مجتمع المدينة الكئيب -الذي أطَلَّ به مستور على قارئه- لا يُعبِّر عن عينات إنسانيَّة عشوائيَّة، تخبط يمنة ويسرة في فوضى واضطراب، ولكنها عينات مُنتقاة بعناية تُعَبِّر عن قلق وجودي مُتَّسق مع معاناتها المستمرة، التي تكرسها نقائصها الإنسانيَّة الحتميَّة، وتقعُد بها -في برزخ المدينة الأرضي القائم على حافَّة الجحيم- عن بلوغ الفردوس الأرضي المستحيل!
في هذه المجموعة القصصيَّة؛ تبدو شخصيَّات مصطفى مستور وكأنها تُكابِدُ قهر الأقدار عبر مسائل منطقيَّة يُمكن حساب احتمالات وقوعها، بيد أنها مما لا يُمكن للقلب العاجز تعقُّلُه. ليبدو المخرج الوحيد والمهمَّش في روع الإنسان الحديث هو إيمان العجائز الذي يتجلَّى بأسُهُ في يقينهن بأن ذكر الله سيُخفِّف وطأة الجحيم الذي يصطليه هذا العالم الضال، العالم الذي يصبو إلى فردوس يحصُد فيه كل شيء؛ فتُعيده الرغبة السامَّة نفسها إلى جحيم الواقع.