يوضح كتاب«التأويلية والفن»، لمؤلفه هشام معافة، والصادر عن الدار العربية للعلوم ومنشورات الاختلاف ـ بيروت ـ 2010م، كيف أن الفن يحتل موقع الصدارة في تأويلية الفيلسوف الألماني هانس جورج غادامير، وفي هذا السياق يحاول معافة في كتابه هذا، شرح المكانة التي يحتلها الفن في الهرمنيوطيقا عند غادامير.
ويعتبر أن تأويلية غادامير نهضت على مبدأ يرى أن خبرتنا في العالم هي خبرة لغوية، وأن الهرمنيوطيقا بهذا المعنى هي أنطولوجيا الفهم، في حين أن الحقيقة تشير إلى نمط لوجود الكينونة في العالم، وبالتالي فإن مشروع غادامير الفلسفي، بمجمله، ينبع من شك موجه نحو الاستغراق الكلي لفكرة المنهج، التي فُهمت كسبيل أوحد للولوج إلى الحقيقة. ويعد الفن من أخصب المجالات التي ينكشف فيها هذا النوع من الحقيقة، لأنه خبرة يقال لنا فيها شيء ما يقتضي الفهم والتفسير، لهذا كان الفن نقطة الانطلاق الكبرى لكتاب غادامير الشهير «الحقيقة والمنهج»، بوصفه يقدم مثالاً خصباً للحقيقة، أو نموذجاً للكشف عنها.
وبهذا المعنى يمكن القول إن هناك قرابة بين خبرة الفن والخبرة الهرمنيوطيقة، لذلك ارتكز مسعاه على إعادة تحليل المنهجيات الجمالية في الفن، ثم في العلوم الإنسانية التي كان يسميها علوم الفكر، ثم في اللغويات والفعاليات اللغوية.
فالعمل الفني لا ينظر إليه بوصفه شكلاً نقياً خاضعاً لأحكام التذوق، إنما يدعونا إلى «مضمون الحقيقة» بوصفه تجربة لا تختزل بمقاصد المؤلف، حيث لم يبق فيه شيء من قصد المؤلف وفهمه، في ما بقي الشكل الفني أو النص الأدبي، الذي فيه تقبع حقيقة كامنة تقبل التغير والتعدد.
ويؤكد معافة على انه، ومع أن عملية الفهم هي عملية مشاركة وجودية ـ استناداً إلى هيدغر ـ تقوم على الحوار بين المتلقي والعمل الفني، فإنها كذلك تفتح عالماً جديداً، وتوسع من أفق العالم الذي حولنا وفهمنا لأنفسنا.
وليس العمل الفني منفصلاً عن العالم الذاتي، رغم أنه يبدأ من المبدع وينتهي بالمتلقي، من خلال وسيط هو النص أو الشكل الفني الثابت، الذي يجعل تلقيه عملية متكررة وممكنة، والحقيقة التي يتضمنها هي كمثيلاتها في الفلسفة والتاريخ، حقيقة غير ثابتة، متغيرة بتغاير الأقاليم المعرفية والتاريخية.