حكايات البشر لها سحر خاص، فلكل منا قصة حياة لها مذاق ولون فريد يميزها، وإن تشابهت تجربتنا الإنسانية. ولأن الكتابة هي فعل التواصل الإنساني الحميم الذي حفظ للإنسانية ذاكرتها وتاريخها، اهتم البشر بتسجيل قصصهم منذ عصر النقش على الحجر إلى عصر الطباعة على الورق.
ربما تكون هذه الرغبة في الخلود، أو الحاجة إلى الإفضاء والمشاركة، هي ما يدفع الفرد إلى كتابة قصته. وربما تكون الرغبة في كشف الأسرار ومعرفة خبايا النفوس والاطلاع على تجارب الآخرين، أو الرغبة في معايشة حياة جديدة ومختلفة، وراء شغف الناس بأدب السيرة الذاتية أو أدب الاعتراف.
وقد كنت واحدة من هؤلاء الناس الذين تملكهم الشغف بأدب الاعتراف. تأثرت كثيرًا بما قرأت من هذه الكتابات؛ عشت مع أصحابها في مختلف مراحلهم العمرية، أو ارتحلت معهم إلى أماكن وأزمنة مختلفة. راودني حلم لقائهم وجهًا لوجه، وقد تحقق الحلم من خلال برنامج “اعترافات أدبية” الذي قدمته عبر موجات إذاعة صوت العرب. كنت أزداد اقترابًا من عالمهم، وأشارك المستمعين عشقي لهذا الأدب.
ولعل أكثر ما جذب انتباهي فيما قرأت وقدمته من أدب السير الذاتية أن خيطًا واحدًا قد جمع بين غالبية من تطرقوا لكتابة سيرهم، وهو “الحياة”. ولا أقصد بالحياة هنا ذلك النظام اليومي الرتيب أو ما نعرفه عن أنفسنا من حيث النشأة، الأقارب، والعمل؛ فكل ذلك لا يجعل من السيرة الذاتية عملًا شائقًا ومفيدًا. بل أقصد بها الحياة التي رآها كل منهم: كيف عاشها، كيف أدركها، تأملاته، مخاوفه، تغيراته، لحظات قوته ولحظات ضعفه، أحلامه؛ ما تحقق منها وما لم يتحقق، وما وصل إليه من أفكار ورؤى.
