تبدأُ قصَّةُ كتابِنا هذا بِطلَبٍ السُّلطان سليم الأوَّلِ (ت. 926هـ / 1520م)، حينَ كانَ في القاهرَةِ، من الشَّيخ أبي الفتحِ الكازرونيَّ المكّيِّ (ت. في نَحوِ عام 926هـ / 1520م) أن يكتُبَ أجوبةً عمّا اعتُرِضَ به على الشَّيخ ابنِ العربيِّ.
فجمَعَ المكِّيُّ مُعظمَ ما وَجَدَهُ من إعتِراضات على ابنِ العربيِّ مِن زمانِ الشَّيخَ الأكبرِ إلى القرنِ العاشرِ الهجريِّ، ورتِّبَها في أربعة وعشرينَ إعتراضاً، وأجابَ عنها إجابات شاملةً في رسالة باللُغةِ الفارسيَّةِ سمَّاها الجانب الغَربيّ في حَلَّ مُشكِلاتِ الشَّيخِ مُحيي الدّينِ ابنِ العَربيّ.
وبعدَ نحوِ قرن ونصفِ القرنِ على تأليفِ الكتاب، طلبَ بعضُ المهتمِّينَ بفِكرِ ابنِ العربيِّ في المدينة المنوَّرةِ من محمَّد بنِ رسول البرزنجيِّ (ت. 1103هـ / 1691م) أن يُترجِمَ الكتابَ إلى العربيَّةِ.
فترجَمَ البرزنجيًّ الكتابَ وتوسَّعَ في الشَّرحِ والتَّفصيلِ والإقتباساتِ حتَّى غدا الكتابُ دائرةَ مَعارِفَ فكريَّةً تناقشُ معظمَ المسائلِ الصُّوفيَّةِ والفقهيَّةِ والكلاميَّةِ والفلسفيَّةِ التي تتعلَّقُ بفكرِ ابنِ العربيَّ.
إستناداً إلى القُرآنِ والسُّنَّةِ مباشرةً، وسمّاهُ الجاذِب الغَيبيّ إلى الجانِب الغَربيِّ في حَلِّ مُشكِلاتِ الشَّيخِ مُحيي الدِّينِ ابنِ العَرَبيّ.
وهو كتابٌ شاملٌ يَجمعُ بينَ المفكرَينِ الفلسفيَّ والصُّوفّي في نَسَق مُنَّسِق، أثَّرَ فيهِ في الشَّيخِ المكِّيَّ أُستاذَّهُ الشِّارحُ الأكبريُّ عبدُ الرحمنِ الجامي، وتابعَ المنحى نفسَهُ البرزنجيُّ ذو التكوين الفِكريَّ الفلسفيَّ على يدِ أُستاذِهِ إبراهيمَ الكورانيَّ، والتَّكوينِ الصُّوفيَّ الأكبريَّ على يدِ أستاذِهِ صفيِّ الدِّينِ القُشاشيِّ.
فهذا الكتابُ المحقَّقُ مصدَرٌ أساسيُّ للفِكرِ الأكبريِّ وتطوُّرِهِ اللاحق، ودائرَةُ مَعارِفَ فكريَّةٌ شاملةٌ تُناقشُ معظمَ المسائلِ الفلسفيَّةِ والكلاميَّةِ في الفكرِ الإسلاميَّ، ولا سيَّما في مرحلتِها المتأخَّرةِ بعدَ الغزاليَّ وفخرِ الدِّينِ الرِّازيِّ.