حقائقُ أساسية يكشفها هذا الكتاب الفريد؛ فلقد تعمَّق المؤلف في دراسة التراث الأوروبي، وتَوَصَّل إلى أن أوروبا؛ قد انفتحت لها الآفاق؛ حين قَوَّضَتْ هيمنةَ الكنيسة، وأن هذا التقويض قد حررها من التحجُّر الثقافي وغيَّر رؤيتها للعالم؛ فبدَّل محور الحياة، واتجاه الحركة، وأنواع النشاط، وفَتَح لها استثمار الطاقات في مختلف الخيارات وتعدُّد المسارات، ونَقَلها من ثقافة جنائزية مُكَبَّلة ومغتبطة بهذا التكبيل؛ تحتقر الحياة، وتستخف بالإنسان، وترتجف بانتظار قيام الساعة. إلى ثقافة دنيوية حرة متفتحة ومندفعة ومغايرة تمامًا...
كما كشف الكتاب أن التحرر الأوروبي خلال المراحل المبكرة لتقويض هيمنة الكنيسة وهدم الإقطاع؛ لم يتحقق وفق خطة مستنيرة مسبقة تستهدف التحرير، بل تمخضت عنها مجموعةٌ من العوامل والمغامرات والاندفاعات والصُّدف والأحداث والهزات أتت في طليعتها الأحداثُ والعواملُ السياسية التي أدت إلى عودة السيادة المدنية وتقويض هيمنة الكنيسة، وكلها سابقة لبزوغ العلم الحديث ومتقدمة على تعميم التعليم؛ تتغير الأوضاع وتختلف عوامل التغيير لكن يبقى العامل السياسي هو العامل الأساسي المتجدد إيجابًا أو سلبًا؛ فالصين التي خَنَقها استبدادُ ماوتسي تونغ تبدَّلت جذريا حين فكَّ قيودها كسياو بنج، وسنغافورة المحرومة من كل الموارد الطبيعية باتت أعجوبة حين أبدع في قيادتها لي كوان يو، والنماذج تتكرر إيجابا أو سلبًا ...
نتيجةٌ مذهلة، أسفر عنها الكتاب وهي؛ أن تحرر أوروبا لم يكن من أهداف المغامرين والمنشقين من أمثال كولومبس ولوثر لكن نتائج الأحداث والأفعال ليست مرهونة بمقاصد الفاعلين بل هي نتاجٌ مُرَكَّب مغاير لم يتصوره الفاعلون. كما يكشف الكتاب بأن دَور العلم والفلسفة والتعليم والتنوير جاء متأخِّرًا وأن الأحداث المتنوعة الفاصلة، والمغامرات الفردية الخارقة؛ والاستجابات الإيجابية الكافية؛ هي التي خلخلت ما كان متحجرًا وهدمت ما كان راسخًا وأعادت تنظيم أوروبا برؤية مغايرة ومؤسسات مختلفة وغيَّرت التصورات وبدلت محور الاهتمامات وقلبت الاتجاه وفجَّرت طاقات العمل والإبداع ...