تمثل قضية مكانة «العقل في الإسلام» مساحة من الجدل والنقاش حول دور العقل في ترسيخ المنظومة التشريعية والمعرفية في الإسلام، خاصة في التعاطي الغربي والعربي الحداثي مع هذه القضية، خاصة مع المغالطة الفجة التي تطال غالب دعاوى هؤلاء حول انحسار دور العقل بصورة كبيرة عند الفقهاء والمحدثين والمتكلمين، وهو ما يخالف الحقيقة التاريخية والمعرفية لمن تأمل بموضوعية وعمق في التراث.
تأتي هذه الدراسة، التي تصدر في نسختها العربية عن مركز نماء، يسعى من خلالها المؤلف لدراسة التراث العقلي المدرسي لدى المسلمين، والتلقي الإسلامي للمنطق الأرسطي، وتجليات العقلانية في العلوم الإسلامية الأخرى.
لقد تناول المؤلف موضوعه تناولاً جاداً، رجع فيه إلى النصوص الأصلية المؤسِّسة، في الفنون المختلفة لدى السنة والشيعة على السواء، وأحسن الإفادة منها، ولعل اقتباساته وإحالاته الكثيرة تكشف عن سعة اطلاعه، وتبصُّره بمواطن خطوه.
إنها دراسة جادة للعقلانية الإسلامية، تقدم تفسيرات ورؤىً وجيهة، يفيد منها المتخصص وغير المتخصص على السواء، ولا سيما أولئك المنشغلون بالإسلام انشغالاً عقلياً. مادتها التي انطوت عليها كبيرة، تتصل بكل فروع التراث التقليدية تقريباً من هذه الناحية الخاصة، أظهر الكاتب من نفسه في معالجتها ذكاءً وقدرةً وسعةَ اطلاع. كما أنها غنية بالمصادر القديمة والحديثة، ولا سيما تلك الإنجليزية منها، التي تبلغ أهميتها مبلغاً عظيماً لدى الذين يحرصون على متابعة البحث الغربي الخاص بالإسلام وقضاياه.
فاطمة المشخص